الفصل الاول
♠ ♠ الانقاذ ♠ ♠
5آذار 1973 ديلي سيتي كاليفورنيا
تاخرت . علي ان انهي غسل الاطباق في الوقت المحدد والا فلن احصل على الفطور !علىّ تدبر ما اكله بما انني لم اتناول طعام العشاء امس. اتت امي! انها تجوب المنزل تصرخ على اخويّ استطيع سماع خطواتها المتثاقله تتقدم في الردهة متجهة نحو المطبخ.
أغرقت يديّ في ماء الغسل الشديد السخونه ،لكن سبق السيف العذل لقد ادركتني ، وامسكت بي مخرجه يدي من الماء ،واذا بها تصفعني على الوجه فتطرحني ارضا .
لكنني اذكى من ان اقف امامها اتلقى صفعاتها فقد تعرّفت طريقتها القاسيه في ضربي بكثرة، والاسوأ من الضرب ، في حرماني من الطعام .
نهضت منتصبا على قدميّ مجددا اجتنب نظراتها وقد اخذت تصرخ في اذني وتصرخ .
في العادة اتصرف بحياء تجاهها واخضع لتهديدها ووعيدها واتوسلها في سري (ارجوك دعيني آكل فقط اضربيني بعد، لكن عليّ ان آكل).
واذا بلطمه اخرى تضرب رأسي بحافه حوض الغسل فاطلقت العنان لدمعي الزائف يسيل على وجنتيّ وهي تخرج من المطبخ وعلامات الرضى على وجهها فتنفست الصعداء بعد ان عددت خطواتها وتاكدت من رحيلها .
نجحت خطتي في التصرف بحياء. باستطاعه امي ان تضربني قدر ما تشاء لكنني لن اسمح لها بان تسلبني ارادتي في البقاء على قيد الحياة.
اقوم بغسل الاطباق عاده واؤدي الاعمال المنزليه الاخرى فيكون الفطور مكافأتي - بعض من فضلات طعام احد اخويّ صدف ان تركها في طبقه ـ
واليوم يوم سعدي!! بقي في زبديه الحليب بضع حبات ذرة فتات منها .. فابتلعتها باسرع ما يمكن قبل ان تبدل امي رأيها اذ سبق لها ان فعلت هذا بي .انها تستمتع في استخدام الطعام سلاحا لها .
وهي اذكى من ان ترمي الفضلات في سله القمامه لعلمها بانني سانقب فيها لا حقا . باتت امي تعرف كل حيلي تقريبا .
وبعد قليل ، ركبت سيارة العائله القديمه ،فلابد من ان يقلوني لاني تاخرت في انهاء الاعمال المنزليه في العادة اذهب الى المدرسه ركضا واصل عند بدء الدروس تماما فيكون الوقت قد نفذ مني لسرقه الطعام من علب اترابي.
انزلت امي ابنها البكر ،لكنها ابقتني لتسمعني محاضرة عما خططت لي ليوم غد ستصحبني الى منزل اخيها . تقول ان الخال دان سوف يرعاني. وقولها بنثابه تهديد لي . فنظرت اليها نظرة الخائف كما لو ان الخوف يعتريني حقا ! لكن ، مهما كان خالي متجبرا من المؤكد انه لن يعاملني كما تفعل امي .
وقبل ان تتوقف السيارة كليا ترجلت منها بسرعه فصاحت امي بي لاعود . لقد نسيت علبه الطعام المهترئة التي تحتوي يوميا في السنوات الثلاث الاخيرة على صنف الطعام نفسه : سندويشتي ريدة الفستق والقليل من قطع الجزر.
ثم قال لي قبل ان اخرج من السيارة مجددا: ( اخبرهم بانك ارتطمت بالباب ) .
واردفت بنبرة نادرا ما تكلمني بها (نهارا ممتعا) .
فنظرت الى عيني امي المحمرحتين جحزظا ولا حظت فيهما بعضا من مخلفات دهشتها ليله امس.
بات شرعها جعدا متقصفا بعد ان كان لامعا جميلا . وكعادتها لم تعد تتبرج ،وقد سمنت، وهي على علم بذلك .باختصار هذا ما آل اليه مظهر امي النموذجي.
وبما انني تاخرت عن المدرسه يتوجب علي رفع تقرير الى الادارة . استقبلتني السكرتيرة ذات الشعر الاشيب وحيتني ببتسامه . وبعد لحظات ظهرت ممرضه المدرسه وقادتني الى مكتبها حيث كررنا العمل الروتيني المعتاد . اخذت تتفحص جسدي ثم وجهي فذراعي .
وسالتني . (ما هذا فوق عينيك؟)
نكست راسي خجلا : لقد .. ارتطمت بالباب .. لكن عن غير قصد)
ابتسمت لي ثم تناولت لوح الملاحظات من على احد الرفوف قلبت اوراقه صفحه او اثنتين وانحنت الي لتريني امرا ما .
قالت وهي تشير الى سطر محدد في الورقه: (انظر ، قلت الامر نفسه الاثنين الفائت ، الا تذكر ؟)
فبدلت قصتي على الفور : (كنت العب البايسبول وتلقيت ضربه مضرب .. كان حادثا !)
(كان حادثا) علي ترداد هذه العابرة على الدوام ! لكن الممرضه اذكى من ذلك . كانت توبخني وتطلب مني قول الحقيقه . فأستسلم في النهايه واعترف لها لكن بي ما يحثني على حمايه امي . عندئذ تقول لي الممرضه انني ساكون على ما يرام وتطلب مني ان اخلع ملابسي . انا اقوم بذلك منذ السنه الماضيه فاطيعها على الفور .
كان عدد الثقوب في اكمام قميصي اكثر مما في الجبنه السويسريه ! ارتدي هذا القميص منذ سنتين تقريبا . وتجبرني امي على ارتدائه كل يوم كوسيله لاذلالي وليس سروالي افضل حالا من القميص . اما حذائي فلديه ثقوب عند الاصابع حتى انني اخرج ابهامي من احدها واروح احركه .
وقفت امام الممرضه مجردا من ثيابي فيما عدا لباسي الداخلي ،فشرعت في تدوين كل الكدمات والندبات المختلفه على جسدي وعد الندبات على وجهي باحثه عن واحده لربما فوتتها في المرة السابقه . انها في غايه الدقه والاتقان.
بعدئذ فتحت فمي كي تتفحص اسناني المتكسرة جراء دفعي بقوة على حافه حوض الغسل . فدونت بعض الملاحظات الاخرى.
وفيما هي تنظر الى جسدي كله توقفت عند تلك الندبه القديمه على معدتي وقالت وهي تبتلع ريقها : ( وهذه؟ اهنا حيث طعنتك؟)
اجبتها (نعم سيدتي) ثم قلت في نفسي (رباه ! لا ! ارتكبت حماقه مرة اخرى).
لابد ان الممرضه لاحظت القلق في عيني فوضعت اللوح جانبا وضمتني الى صدرها . قلت في نفسي ( الله .. يا لدفئها !) . لم اشا ان تحل عناقها عني ، وددت ان ابقى بين ذراعيها الى الابد . فاغمضت جفنيّ بشده واذا بالوجود ينتفي للحظات معدوده ما عدانا . اخذت تداعب راسي ، فانتفضت من مكاني بفعل الكدمه التي تلقيتها من امي هذا الصباح ، عندئذ ابتعدت الممرضه عني وغادرت الغرفه . فاسرعت في ارتداء ملابسي .انها لا تعلم بذلك لكنني اقوم بالامور باسرع ما يمكنني.
ثم عادت الممرضه بعد دقائق قليله يرافقها مدير المدرسه السيد هانس ومعهما اثنان من اساتذتي : الانسه وودز والسيد زيغلر . بات السيد هانسن يعرفني تمام المعرفه اذ دخلت مكتبه اكثر من اي طفل اخر في المدرسه كان ينظر الى الورقه فيما راحت الممرضه تملي ملاحظاتها . فرفع ذقني . اخشى النظر في عينيه وقد استحال ذلك عاده غالبا ما اتّبعها في تعاطيّ مع امي ، ولكن ايضا كي اجتنب اخباره باي شيء .
فذات مرة منذ سنه تقريبا استدعى امي ليسلها عن سبب وجود الكدمات على جسدي . لم يعلم البته ما كان يجري فعليا انذاك . لم يعلم سوى انني ولد شرير يسرق الطعام . وعندما ذهبت الى المدرسه في اليوم التالي رأى ما حل بي نتيجه تعرضي للضرب على يد امي . فلم يتصل بها ثانيه مطلقا .
راح السيد هانسن يصرخ بصوت عال ويقول انه سئم كل هذا .
شعرت وكأن روحي تفارقني من فرط الخوف ، فصرخ عقلي : (سيتصل بامي مجددا !) سقطت ارضا انفجرت بكاءً وبدأت ارتجف كالجلاتين . واتمتم كلماتي كالاطفال ، واتوسل السيد هانسن الّا يتصل بامي . وقلت بصوت يئن : (اتوسلك .. لا .. ليس اليوم ! الا تدرك انه الجمعه؟).
فطمأنني السيد هانسن بانه لن يتصل بامي ، ثم ارسلني الى الصف . وبما انني تاخرت على تسجيل اسمي هرعت الى صف معلمه اللغه الانكليزيه ،السيده وودورث . كان يوم امتحان التهجئه عن الولايات وعاصمه كل منها . لم استعد للامتحان مسبقا . اعد طالبا مجتهدا في العاده الا انني عدلت عن كل شيء في حياتي خلال الاشهر الماضيه بما فيه الفرار من بؤسي عبر دروسي .
وما ان دخلت الصف ختى سد زملائي انوفهم ،وراحوا يسخرون مني . اما المعلمه البديله وهي امرأة شابه . فلوحت بيديها امام وجهها . لم تكن معتاده على رائحتي . ثم ناولتني ورقه الامتحان وهي تقف على مسافه مني وقبل ان اتمكن من الجلوس في مقعدي القابع في مؤخرة الصف بمحاذاة النافذه المفتوحه ، استدعيت ثانيه الى مكت المدير . فاطلق الصف على مسمعي صوتا اشبه بالنباح - هو في الواقع تعبير عن نبذهم لي .
توجهت نحو الادارة راكضا ووصلتها بسرعه البرق كان حلقي جافا ولا ازار اشعر به ملتهبا جراء اللعبه التي لعبتها امي ضدي امس.
يتبع
عدل سابقا من قبل فراشة الربيع في السبت أغسطس 07, 2010 10:02 pm عدل 3 مرات